نحن نتبادل الكلمات و الحروف و العبارات كوسائل للتعبير عن المعاني و كأدوات لكشف كوامن النفوس .. و نتصور أن الحروف يمكن أن تقوم بذاتها كبدائل للمشاعر و يمكن أن تدل بصدق على ذواتنا و مكنوناتنا
و الحقيقة أن الحروف تحجب و لا تكشف .. و تضلل و لا تدلل .. وت شوه و لا توضح .. و هي أدوات إلتباس أكثر منها أدوات تحديد
يقول الحبيب .. لحبيبته : أحبك
و هو يقصد بذلك التعبير عن حالة وجدانية خاصة جداً و ذاتية و جديدة عليه فلا يجد إلا كلمة هي صك مستهلك تهرأ من كثرة الاستعمال .. كلمة أصبحت ماركة مسجلة لأردأ أنواع البضائع .. كلمة حولتها الأغاني المبتذلة و الهزليات المسرحية إلى بالوعة أو في أحسن الأحوال إلى منشفة لتجفيف ما ينضح من العرق في حالات فسيولوجية عديدة و متناقضة
و لكنه لا يجد غيرها
فإذا حاول أن يستخرج من قاموس الحروف و معجم العبارات كلمات أخرى فأنه لا يجد إلا المجاز و الاستعارة و البيان و البديع و ضرب .. الأمثلة
فيقول لحبيبته أنه يحبها كما تحب الوردة ندى الفجر أو كما تحب ظلمة الليل شعاع الشمس أو كما تحب صغار العصافير .. أعشاشها و هو كلام فارغ آخر يترجم الحالة الخاصة الفريدة إلى سلسلة من البدائل المزورة و يحول الشعور البكر إلى ثرثرة جوفاء لا تدل على شيء
و لو أنه صمت لكان الصمت .. أبلغ
و للصمت المفعم بالشعور حكم أقوى من حكم الكلمات .. و له إشعاع .. و له قدرته الخاصة على الفعل و التأثير
■ ■ ■